من احاديث الازهار والورود يقول ( الخزامى )

افتخر زهر الخزامى بنفسه فقال :
مالي وللزحام ، ومعاشرة اللئام ، أنا من بين الأزهار لا أجاور الأنهار ، ولا أسكن إلا على شفا جرف هار ، بل أوافق الوحش في النفار ، وسكنى البوادي والقفار ، 
أحب من الخلوات فسيح الفلوات ، ولا آسف على ما فات ، فلا أزاحم في المحافل ، ولا أتحمل منَّة الزارع والكافل ، ولا تقطفني أيدى الأسافل ، ولا أُحمل إلى لاعب ولا هازل ، ولكنني بعيد عن المنازل ، تجدني بأرض نجد نازل ، 
رضيت بالبر الفسيح ، وقُنِّعتُ بالعرعر والشيح ، تعبث بنشري الريح ، فتحملني إلى ذوي التقديس والتسبيحِ ، فلا ينشق نشري ، إلا من له شوق صحيح ، وذوق صريح ، ومن هو على زهد المسيح ، وصبر الذبيح ، 
فأنا رفيق السواح ، في الغدو والرواح ، فإفوز بالأجور ، وأسلم من حضور أهل الفجور ، ومن يقترف المعاصي بالجحور ، فلا أحضر على منكر، ولا أجلس عند من يشرب ويسكر ، 
فأنا الحر الذى لا يباع في الأسواق ، ولا ينادى عليَ بالنفاق ، في سوق النفاق ولا يحضرني الفساق ، ولا ينظرني إلا من شمر عن ساق ، وركب على جواد العزيمة وساق ، 
فلو رأيتني في البوادي ، يهيم بي النسيم في كل وادي ، أعطر النادي وأروح البادي ، إن عرض بذكرى الحادي ، حن إلى كل رائح وغادي ، 
وفي ذلك أقول :
يُحَدِّثُنَى النَّسِيمُ عَنِ الخُزَامِى... وَيُقْرِينى عَنِ الشِّيحِ السَّلاَمَا
فَهِمْتُ بما فَهِمْتُ وَطِبْتُ وَجْداً... فَمَا أَحْلاهُ لِى لَوْ كَانَ دَاما
وَتَسْرِي تَحْتَ جُنَح اللَّيل نشرًّا... فَتُوقِظُني وَقَدْ هَجَعَ النِّيَامَا
فَأسكرُ من شَذَاهَا حَينَ هبَّتْ... كَأَنِّي قَدْ تَرَشَّفْتُ المَدَامَا
تُعَارِضُنِي بِأَنْفَاسٍ مِرَاضٍ... كَأَنْفَاسِي وَقَدْحُشِيتُ غَرَامَا
وقد عُرِفَتْ بِطِيب العُرْفِ لمَّا... كَسَاهَا اللُّطْفُ أَخْلاَقاً كِرَامَا
أَهِيمُ بنشرها طَرَباً وَسَكْراً... فَيُبْدِي البَرْقُ مِنْ طَرَتِي ابتسَامَا
تَمُرّ عَلَى الرِّيَاضِ رِيَاضِ نَجْدٍ... فَتَنْعَطِفُ الغُصُونُ لَها احْتِشامَا
وَيُقْلِقُنِي حمَامُ الأَيْكِ نوْحاً... وَتذكِّرُنِي المَنَازِل والخِيَامَا
خِيَامٌ تجمعُ الأَحْبَابَ فِيها... وَفِيها يَبْلُغُ القَلْبُ المَرَامَا
وَتجَلَّي وَجْه مَنْ فيها بنورٍ ... بِبَهْجَةِ نَوْرِهِ يُجَلِّى الظَّلاَمَا